في رحاب المجتبى (عليه السلام)
أن الحديث عن الأمام الحسن بن علي (عليهما السلام) سرُّ الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على
الله وعمق الإنسانية المتحركة بالخير كله والحق كله والعدل كله ، معنى الحكمة في مواجهة حركة الواقع في سلبياته
وايجابياته ، وشمولية العطاء في رعاية المحرومين من حوله ، وسمو الأخلاق التي تحتضن كل مشاعر الناس بكل
اللهفة الحانية في مشاعرها ، وتتحرك في مواقع العصمة في سلوكه مع نفسه ومع ربه ومع الناس ومع الحياة ، لقد
عاش (سلام الله عليه) مع جده رسول الله (ص) في طفولته ليحتضنه الرسول فيُلقي إليه في كل يوم من عقلهِ عقلاً
ومن روحهِ روحاً ومن خَلقُه خُلقاً ومن هيبته وسؤدده هيبةً . وعاش مع أمهِ الزهراء (عليها السلام) بشخصيتها
العظيمة والأيمان العميق والمعرفة الواسعة والأخلاق العالية والروحانية الصافية والإرادة الصلبة والشجاعة الجريئة ،
فأخذ منها ذلك كله مما كانت تُرضعهُ إياه من لبن الروح والجسد ، ويختزن الحسن (عليه السلام) هذه الروح
المنفتحة على الناس في كل همومهم وفي كل آلامهم وفي كل أحلامهم وفي كل قضاياهم قبل الانفتاح على النفس ،
ذلك هو سر الزهراء (عليه السلام) وذلك هو سّر أهل البيت (عليهم السلام) الذين يعيشون للناس من قبل أن
يعيشوا لأنفسهم . لقد أنطلق (سلام الله عليه) مع أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) القمة في العلم والفكر والروح
والأيمان والزهد والتقوى والشجاعة والرسالية الممتدة في كل مجالات حياته . لقد أستطاع(عليه السلام) أن يأخذ كل
علي(عليه السلام) في عقله ، وان يأخذ كل علي (عليه السلام) في قلبه ، وأن يأخذ كل علي (عليه السلام) في
روحه وفي شجاعته وفي أخلاقه ، حتى مضى علي (عليه السلام) إلى رحاب ربه ، وتسلم (عليه السلام) الخلافة
في ظروف هي الأصعب ، ، ليسير مع أخيه الإمام الحسين (عليه السلام) في انفتاح فكري وروحي وعملي في كل
قضاياهما ومشاعرهما وتطلعاتهما وحربهما وسلمهما ، فهما يمثلان معنى واحدا في وجودين ، وخطاً واحداً في أثنين
وروحاً واحدة في شخصين .
لقد كان (عليه السلام) أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم وكان كرمهُ مضرب الأمثال وكان له من العلم
والبلاغة والعمق ما ملك أعجاب الناس حوله ، فإذا تكلم يتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين ، لقد
قام (عليه السلام) بالأمر بعد أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وبايعه الناس بالخلافة بعد أن خطب في الناس في
صبيحة الليلة التي قُبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقي في الخلافة ستة أشهر ووقّع بعدها الصُلح مع
معاوية ذلك الصُلح الذي أعتبره بعض حَواريّه ذُلاً ، وزعمِهُ أعداؤه جُبناً واستسلاماً ، ولم يكن إلا أروع صور النصر
على الذات ، ومقاومة نزوة الهوى ، والمحافظة على دماء المسلمين ، فلولا أن الحسن (عليه السلام) كان قدوة
الصلاح ، وأسوة التضحيات وجماع المكرمات ، ولولا اتصال قلبه الكبير بروح الرب لمات كمداً مما كان يراه من
تقهقر المسلمين ، ولولا حلمه العظيم النابع من قوة أيمانه بلله وتسليمه لقضائه ، وإذاً ما صَرَ على معاوية ، وهو
يرقى منبر جده ، ويُمزق منشور الرسالة ويَسُب أعظم الناس بعد الرسول (ص) . ولكن الحسن (عليه السلام) آثر
الآخرة على الدنيا – لأنها دار جعلها الله للذين لا يريدون العلوّ والفساد في الأرض .
لقد مَثَّل إمامنا المجتبى (ع) الكمال الدنيوي والعلوي والفاطمي بحيث كان روحاً تتحرك في الواقع منذ ولادته حتى
استشهاده .
فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يُبعثُ حياً .